بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
القاعدة الأولى
تعبير الرؤيا على الخير
فإذا سمعت برؤيا فأولها على الخير ما استطعت وساعدتك رموزها
عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعبرها قال أما الظلة فالإسلام وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت قال النبي صلى الله عليه وسلم أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت قال لا تقسم
--------------------------------------------------------------------------------
قوله ( عن يونس ) هو ابن يزيد الأيلي ولم يقع لي من رواية الليث عنه إلا في البخاري . وقد عسر على أصحاب المستخرجات كالإسماعيلي وأبي نعيم وأبي عوانة والبرقاني فأخرجوه من رواية ابن وهب , وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية عبد الله بن المبارك وسعيد بن يحيى ثلاثتهم عن يونس .
قوله ( عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) في رواية ابن وهب " أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره " .
قوله ( أن ابن عباس كان يحدث ) كذا لأكثر أصحاب الزهري وتردد الزبيدي هل هو عن ابن عباس أو أبي هريرة . واختلف على سفيان بن عيينة ومعمر فأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أو أبي هريرة , قال عبد الرزاق : كان معمر يقول أحيانا عن أبي هريرة وأحيانا يقول عن ابن عباس وهكذا ثبت في " مصنف عبد الرزاق " رواية إسحاق الديري وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق فقال فيه " عن ابن عباس قال كان أبو هريرة يحدث " هكذا أخرجه البزار عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق وقال لا نعلم أحدا قال عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي هريرة إلا عبد الرزاق عن معمر ورواه غير واحد فلم يذكروا أبا هريرة انتهى . وأخرجه الذهلي في " العلل " عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن عبد الرزاق فاقتصر على ابن عباس ولم يذكر أبا هريرة وكذا قال أحمد في مسنده " قال إسحاق عن عبد الرزاق كان معمر يتردد فيه حتى جاءه زمعة بكتاب فيه عن الزهري " كما ذكرناه وكان لا يشك فيه بعد ذلك وأخرجه مسلم من طريق الزبيدي " أخبرني الزهري عن عبيد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة " هكذا بالشك وأخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة مثل رواية يونس , وذكر الحميدي أن سفيان بن عيينة كان لا يذكر فيه ابن عباس , قال فلما كان صحيحه آخر زمانه أثبت فيه ابن عباس أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحميدي هكذا , وقد مضى ذكر الاختلاف فيه على الزهري مستوعبا حيث ذكره المصنف في " باب رؤيا بالليل " وبالله التوفيق . قال الذهلي المحفوظ رواية الزبيدي وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية يونس ومن تابعه وقد جزم بذلك في الأيمان والنذور حيث قال " وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر . لا تقسم فجزم بأنه عن ابن عباس .
قوله ( أن رجلا ) لم أقف على اسمه , ووقع عند مسلم زيادة في أوله من طريق سليمان بن كثير عن الزهري ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له فجاء رجل فقال قال القرطبي معنى قوله " فليقصها " ليذكر قصتها ويتبع جزئياتها حتى لا يترك منها شيئا , من قصصت الأثر إذا اتبعته , وأعبرها أي أفسرها . ووقع بيان الوقت الذي وقع فيه ذلك في رواية سفيان بن عيينة عند مسلم أيضا ولفظه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه من أحد وعلى هذا فهو من مراسيل الصحابة سواء كان عن ابن عباس أو عن أبي هريرة أو من رواية ابن عباس عن أبي هريرة لأن كلا منهما لم يكن في ذلك الزمان بالمدينة أما ابن عباس فكان صغيرا مع أبويه بمكة فإن مولده قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح وأحد كانت في شوال في السنة الثالثة , وأما أبو هريرة فإنما قدم المدينة زمن خيبر في أوائل سنة سبع .
قوله ( إني رأيت ) كذا للأكثر وفي رواية ابن وهب " إنى أرى " كأنه لقوة تحققه الرؤيا كانت ممثلة بين عينيه حتى كأنه يراها حينئذ .
قوله ( ظلة ) بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظل وكل ما أظل من ثقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي . وقال ابن فارس : الظلة أول شيء يظل زاد سليمان بن كثير في روايته عند الدارمي وأبي عوانة وكذا في رواية سفيان بن عيينة عند ابن ماجه " بين السماء والأرض " .
قوله ( تنطف السمن والعسل ) بنون وطاء مكسورة ويجوز ضمها ومعناه تقطر بقاف وطاء مضمومة ويجوز كسرها يقال نطف الماء إذا سال . وقال ابن فارس : ليلة نطوف أمطرت إلى الصبح .
قوله ( فأرى الناس يتكففون منها ) أي يأخذون بأكفهم في رواية ابن وهب " بأيديهم " قال الخليل : تكفف بسط كفه ليأخذ ووقع في رواية الترمذي من طريق معمر " يستقون " بمهملة ومثناة وقاف أي يأخذون في الأسقية , قال القرطبي يحتمل أن يكون معنى " يتكففون " يأخذون كفايتهم وهو أليق بقوله بعد ذلك " فالمستكثر والمستقل " . قلت : وما أدري كيف جوز أخذ كفى من كففه ولا حجة فيما احتج به لما سيأتي .
قوله ( فالمستكثر والمستقل ) أي الآخذ كثيرا والآخذ قليلا , ووقع في رواية سليمان بن كثير بغير ألف ولام فيهما , وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد " فمن بين مستكثر ومستقل وبين ذلك " .
قوله ( وإذا سبب ) أي حبل .
قوله ( واصل من الأرض إلى السماء ) في رواية ابن وهب وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض وفي رواية سليمان بن كثير " ورأيت لها سببا واصلا " وفي رواية سفيان بن حسين " وكأن سببا دلي من السماء " .
قوله ( فأراك أخذت به فعلوت ) في رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله .
قوله ( ثم أخذ به ) كذا للأكثر ولبعضهم " ثم أخذه " زاد ابن وهب في روايته " من بعد " وفي رواية ابن عيينة وابن حسين " من بعدك " في الموضعين .
قوله ( فعلا به ) زاد سليمان بن كثير " فأعلاه الله " وهكذا في رواية سفيان بن حسين في الموضعين .
قوله ( ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ) زاد ابن وهب هنا " به " وفي رواية سفيان بن حسين " ثم جاء رجل من بعدكم فأخذ به فقطع به " .
قوله ( ثم وصل ) في رواية ابن وهب " فوصل له " وفي رواية سليمان " فقطع به ثم وصل له فاتصل " وفي رواية سفيان بن حسين " ثم وصل له " .
قوله ( بأبي أنت ) زاد في رواية معمر " وأمي " .
قوله ( والله لتدعني ) بتشديد النون وفي رواية سليمان " ائذن لي " .
قوله ( فأعبرها ) في رواية ابن وهب " فلأعبرنها " بزيادة التأكيد باللام والنون , ونحوه في رواية معمر , ومثله في رواية الزبيدي .
قوله ( أعبرها ) في رواية سفيان عند ابن ماجه " عبرها " بالتشديد وفي رواية سفيان بن حسين " فأذن له " زاد سليمان " وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قوله ( وأما الظلة فالإسلام ) في رواية ابن وهب وكذا لمعمر والزبيدي " فظلة الإسلام " ورواية سفيان كرواية الليث وكذا سليمان بن كثير وهي التي يظهر ترجيحها .
قوله ( فالقرآن حلاوته تنطف ) في رواية ابن وهب " حلاوته ولينه " وكذا في رواية سفيان ومعمر , وبينه سليمان بن كثير في روايته فقال " وأما العسل والسمن فالقرآن في حلاوة العسل ولين السمن " .
قوله ( فالمستكثر من القرآن والمستقل ) زاد ابن وهب في روايته قبل هذا " وأما ما يتكفف الناس من ذلك " وفي رواية سفيان " فالآخذ من القرآن كثيرا وقليلا " وفي رواية سليمان بن كثير " فهم حملة القرآن " .
قوله ( وأما السبب إلخ ) في رواية سفيان بن حسين " وأما السبب فما أنت عليه تعلو فيعليك الله " .
قوله ( ثم يأخذ به رجل ) زاد سفيان بن حسين وابن وهب " من بعدك " زاد سفيان بن حسين " على مناهجك " .
قوله ( ثم يأخذ به ) في رواية سفيان بن حسين " ثم يكون من بعد كما رجل يأخذ مأخذكما " .
قوله ( ثم يأخذ به رجل ) زاد ابن وهب " آخر " .
قوله ( فيقطع به ثم يوصل له فيعلو به ) زاد سفيان بن حسين " فيعليه الله " .
قوله ( فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت ) في رواية سفيان " هل أصبت يا رسول الله أو أخطأت " .
قوله ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) في رواية سليمان بن كثير وسفيان بن حسين " أصبت وأخطأت " .
قوله ( قال فو الله ) زاد ابن وهب " يا رسول الله " ثم اتفقا " لتحدثني بالذي أخطأت " في رواية ابن وهب " ما الذي أخطأت " وفي رواية سفيان بن عيينة عند ابن ماجه فقال أبو بكر أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت من الذي أخطأت وفي رواية معمر مثله لكن قال " ما الذي أخطأت " ولم يذكر الباقي .
قوله ( قال لا تقسم ) في رواية ابن ماجه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم يا أبا بكر " ومثله لمعمر لكن دون قوله " يا أبا بكر " وفي رواية سليمان بن كثير " ما الذي أصبت وما الذي أخطأت , فأبى أن يخبره " قال الداودي قوله " لا تقسم " أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك وقال المهلب : توجيه تعبير أبي بكر أن الظلة نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل , وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة , وأما العسل فإن الله جعله شفاء للناس وقال تعالى إن القرآن ( شفاء لما في الصدور ) وقال إنه ( شفاء ورحمة للمؤمنين ) وهو حلو على الأسماع كحلاوة العسل في المذاق , وكذلك جاء في الحديث " أن في السمن شفاء " قال القاضي عياض : وقد يكون عبر الظلة بذلك لما نطفت العسل والسمن اللذين عبرهما بالقرآن وذلك إنما كان عن الإسلام والشريعة , والسبب في اللغة الحبل والعهد والميثاق , والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل انتهى ملخصا . قال المهلب : وموضع الخطأ في قوله " ثم وصل له " لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر " له " . قلت : بل هذه اللفظة وهي قوله " له " وإن سقطت من رواية الليث عند الأصيلي وكريمة فهي ثابتة في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة وكذا في رواية النسفي وهي ثابته في رواية ابن وهب وغيره كلهم عن يونس عند مسلم وغيره , وفي رواية معمر عند الترمذي وفي رواية سفيان بن عيينة عند النسائي وابن ماجه وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد , وفي رواية سليمان بن كثير عند الدارمي